تكفير الوطنية

أيام مضت وولى رجالها


لم أكن أتصور أن يأتى يوما يبلغ فيه شذوذ الفكر حد تكفير الوطنية !! ولكنه مع الأسف حدث .. بدأ بالفكر الماسونى والمحافل والجمعيات السرية التى دعت الى نبذ الأوطان والعمل من أجل ما يسمى بالسلام العالمى ذريعة لقتل النخوة الوطنية بين الشعوب فتضعف القوميات وتقوى الصهيونية وتسيطر على العالم ..

ثم تحت ستار العولمة والنظام العالمى الجديد الذى تقوده أمريكا ومن يقود أمريكا من صهيونية يهودية ومسيحية .. لكن الغريب أنه فى نهاية الأمر صارت هذه الدعوة ترتدى فى بلداننا لحية وجلباب أبيض وترفع راية الإسلام !!

تتفق الغاية وتختلف الوسيلة .. فمن الاغواء بشهوات الجنس والمال فى الفكر الماسونى القديم الى التهديد والترغيب بإسم الدين ؟!

الغريب أن بعض من الأسماء "الجهادية" اللامعة مثل المرحوم الشيخ عبدالله عزام انتقد بشدة القومية العربية بل أنه وصفها بأنها كفر بواح وخروج عن الملة ؟! ولكن إذا عرف السبب بطل العجب والمتأمل لما استند اليه الشيخ عزام يجد أن معطياته أن فكرة القومية هو ما أتى به ميشيل عفلق منظر حزب البعث بجناحيه السورى والعراقى .. وأن القومية قد حلت بديلا عن الاسلام .. ولو صحت المعطيات لصحت النتيجة كالارتباط بين العلة والمعلول .. ولكن إذا كانت الأقوام قد وردت فى القرآن الكريم حيث بعث الله بالنبيين الى أقوامهم يخاطبونهم بياقوم .. وإذا كان القرآن قد تنزل عربيا .. وإذا كان دعاة الوحدة العربية يجدون أن الإسلام يأتى على قائمة عوامل الوحدة ودعائم القوة ومسبباتها وقد حثنا سبحانه وتعالى على الوحدة والاعتصام بحبل الله ونبذ التفرق والضعف .. فالنتيجة قطعا ستكون مغايرة ..

وكان الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية (فلسطينى الأصل أعدم عام 1975) فى كتابه "رسالة الأيمان" قدم لهذا الفكر بقوله "كل من إشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لاشك فى كفره" ومد صالح سرية هذا الحكم فى السطور التالية من كتابه الى من يعتقد فى الديمقراطية أو الوطنية أو القومية أو محاربة الاستعمار أو الاصلاحات الداخلية أو غيرها .. وصولا الى أن هناك حزبين لا ثالث لهما حزب الشيطان وحزب الله .. وأن المتدين بالمعنى التقليدى يصلى ويصوم ويقرأ القرآن بخشوع لكنه كافر لأنه آمن ببعض الاسلام فقط .. ووصف تحية العلم والسلام الجمهورى وتحية قبر الجندى المجهول بأنها طقوس الشرك الجديدة ..

وقد تصدى لهذا الفكر جمهور من علماء الدين ورجال الفكر الإسلامى مثل الشيخ أحمد كفتارو مفتى سوريا والدكتور راشد الغنوشى والدكتور حسن الترابى الذى يرى الاهتمام بالقضية الوطنية باعتبارها المنطلق الى العالمية وأن عناية المسلم بإصلاح وطنه واجب دينى إذ كلما تقدم هذا الوطن أصبح أقدر على إعانة الأوطان الاسلامية الأخرى والناس حيثما كانوا ..

ويقول المودودى "أن الجماعة تؤمن أننا معشر المسلمين فى باكستان ما دمنا لا نجعل بلادنا مثلا حيا للنظام الاسلامى فاننا لا نقدر على اقناع الناس بسلامة هذه العقيدة .. فالمسلم إذا وطنى وليس أولى منه بهذه الصفة لأنه الامتداد الحقيقى لثقافة الوطن وأمجاده"

وعلى النقيض.. يبدو الانسلاخ الحقيقى عن الوطن ليس بالبعد عنه مكانياً .. ولكنه الانسلاخ عن قضاياه وهمومه وإن كان مقيما فيه .. بانغلاق الفرد على ما يراه قضاياه وهمومه بعيدا عن باقى الشعب .. وفيعيش وكأنه جزيرة منعزلة .. فلا هو قد استطاع أن يخدم قضيته إن كانت حقيقية .. وهو من جانب آخر قد حكم على نفسه بأن يكون منبوذاً من الجموع التى شاهدته وقد أعطى ظهره لهمومهم وآمالهم بدعوى أنها لا تعنيه وأن له همومه الخاصة !!

ووسط هذا الزخم من الأفكار السياسية يبدو الأزهر مغيباً .. أقل بكثير من حجمه الحقيقى والدور الذى قام به فى عصور ولت ومضى رجالها

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Unknown يقول...

لقد قرأت التالي عن الدكتور صالح سرّية، ولا أظن تختلف معي في أن من يكون بهذه المواصفات لايمكن إلا أن يكون لديه قمة مفاهيم الإنتماء والذي تنادي به في مقالتك

الدكتور صالح سرّية
الرجل الذي أسقط حدود سايكس بيكو
ولم يعترف بها داخل قلبه وعقله وتفكيره قولا وعملا
1937- 1976
________________________________


ولد في قرية إجزم إحدى قرى حيفا في شمال فلسطين عام 1937
نـُقل طفلا مع غالبية أهل ثلاثة قرى هي إجزم وجبع وعين غزال بواسطة الجيش العراقي إلى العراق عام 48
ظهر نبوغه من البداية وكان دوما الأول في دراسته، وكان الأول على العراق في الثانوية العامة
حصل على منحة ملكية على ضوء ذلك لدراسة الطب في ألمانيا ولم يذهب نزولا عند رغبة والدته
تخرّج من كلية التربية – جامعة بغداد بأمتياز
وحصل على الماجستير من جامعة بغداد بأمتياز برسالته المطبوعة - تطوير التعليم الصناعي في العراق
وتكملة لأبحاثه واعتمادها من قبل الحكومة العراقية كانت هناك طفرة كبيرة في التعليم الصناعي ويعتبر هو أحد الآباء الروحيين له ولذلك كانت الجامعة التكنولوجية في العراق عند تأسيسها تابعة لكلية التربية التي كان يدّرس بها وكذلك التدريس في الجامعة التكنولوجية، وذكر أحد طلابه ( أنهى دراسة الدكتوراه في تقنية الحاسوب){ إنه كان الأستاذ الوحيد من دون الأساتذة الآخرين الذي لا يـُسجّل حضور وغياب في محاضراته، حيث في العادة يكون في القاعة ثلاثة أضعاف عدد الطلاب المسجلين للمادة ويحرص الجميع على الحضور بسبب أسلوبه وعلمه الفريد}
وساهم في التخطيط للثانويات الشاملة في العراق (تشمل العلمي والأدبي والصناعي والتجاري وغيرها)
وساهم من خلال وزارة التخطيط في التخطيط للمعاهد الصناعية وتطوير الثانويات الصناعية، وكذلك في خطة محو الأميّة في العراق
وحصل على الدكتوراه بأمتياز من جامعة عين شمس – القاهرة برسالته المطبوعة " تعليم العرب في إسرائيل"
وآخر وظيفة له كانت دبلوماسية (سكرتير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – أحدى منظمات الجامعة العربية)

بما يتعلّق بفلسطين

كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني (كان في حينها يمثل البرلمان الفلسطيني)
في أوائل السبعينات طلب العقيد معمّر القذافي مقابلة قيادات من فلسطين لمناقشة كيفية دعم القضية الفلسطينية غطتها وسائل الإعلام المكتوبة حينها، فتم اختيار 4 وكان من ضمن الوفد د.صالح سرّية، فقال للقذافي من ضمن ما قاله وقتها "نحن لسنا بحاجة إلى فلوس ولكن نحن بحاجة إلى سلاح نخزّنه في فلسطين يكفينا لمدة عام، وأنا مستعد أن أترك وظيفتي التي تعادل مرتبة وزير في أي دولة عربية وأرجع إلى فلسطين وخلال 5 أعوام نحررها لكم" وعند رجوعه من ليبيا تم توقيفه في مطار القاهرة للتحقيق
في حرب تشرين/اكتوبر عام 73 كان في الجبهة الشمالية
كان الضابط الأقدم في جيش التحرير الفلسطيني في العراق، وفي دورة إعداد الضباط مع الضباط العراقيين حصل على الدرجة الثانية لأن من الواجب أن يكون الأول عراقي،
في حرب الأكراد في شمال العراق بداية الستينات طلبت الحكومة العراقية إشراك الجيش في الحرب وكأحد قادة الجيش رفض وقال "صلاح الدين الأيوبي حرّر فلسطين فليس من المروءة أن أوافق على مشاركة جيش فلسطيني في حرب أهله" وعلى ضوء موقفه بالإضافة إلى رفضه المشاركة في انقلاب 1963 للبعث تم سجنه وتعذيبه حينها ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد إنقلاب عبدالسلام عارف
كان ممن عمل على مأسسة وجمع وتوحيد العمل الفدائي في بداية الستينات وأسس مع مجموعة جبهة التحرير الفلسطينية- غير عمّا معروف الآن بهذا الأسم- وتوحدت مع فتح أوائل الستينيات قبل عملية إطلاقها في عام 1965
قام بتصفية جواسيس إسرائيل بنفسه الذين دخلوا العراق في نهاية الخمسينيات و بداية الستينيات بعدما لم تقم الحكومة العراقية بمحاكمتهم وأعدامهم بالرغم من تقديمه الأدلة في حينها حيث قامت الحكومة بمحاكمة وإعدام من قاموا بتنظيمهم فقط دون الرؤوس، بسبب حرج الحكومة لتوّرط كبار الشخصيات بفضائح نسائية ومالية مع الجواسيس.

بما يتعلّق بالعمل الإسلامي

هناك الكثير من الإشاعات التي تقول بارتباطه بحزب التحرير الإسلامي، وأظن سبب ذلك عائد لسببين:
الأول لأن تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي من نفس المدينة وإبنة عمه زوجة أخ للدكتور صالح، والثانية لأنه في حوادث أيلول والمشاكل بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، كان عضو اللجنة التي كانت تبحث في أسباب ما حصل ووقتها تم الزعم بحصول محاولة إنقلاب لحزب إسلامي في الأردن ولأنه إسلامي ورد إسمه في الموضوع،
وربما بسبب مواقف الدكتور صالح سرّية من جميع الحركات الإسلامية وطريقة تعامله معها بشكل متساو وعلى ضوء ذلك كان جميع من تعرّف عليه منهم يذكره بكل ودّ على رأيه المشهور عنه (كل الحركات الإسلامية هم زهرات في حديقة الإسلام، لكل منّا ذوق على ضوءه يستطيب عطر معين ولون وشكل من إحدى هذه الزهرات، ليتعطّر به)

أول رسالة نشرت وطبعت له هي رسالة "بين الإتباع والتقليد"
أرتبط بالحركة الإسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي وكان من ضمن اتباع الشيخ محمد محمود الصوّاف،
درس الحديث منذ نعومة أظفاره وكان من حفّاظ والعاملين على جمع وتحقيق الحديث وقيل أنه كان واحد من عشرة حفّاظ للحديث في زمانه ولكن لم تطبع وتنشر أي من مخطوطاته التي تركها حتى الآن في هذا الموضوع،

كان صاحب حجة وثقافة كبيرة وكان من أول من فنّد أفكار الشيوعية بسلسلة مقالاته بعنوان"الشيوعيون تحت المشرحة" في الخمسينيات والستينييات من القرن الماضي في عز قوتهم في العراق أيام عبدالكريم قاسم

كان من قيادات الحركة الإسلامية في الجيش وفي عهد الرئيس عبدالرحمن عارف، أتى لهم طاهر يحيى رئيس الوزراء حينها وقال ثلثان الجيش معكم الظاهر لم يبق شيء سوى أيام أو أسابيع لتعملوا انقلاب، في حين كان للبعثيين لواء واحد فقط ومع ذلك نجحوا في انقلابهم في عام 68، والظاهر على ضوء كلمات طاهر يحيى بدء التفكير جديا في استخدام هذا الإسلوب من قيادات العمل الإسلامي في الجيش العراقي، ولكن الحركة الإسلامية لم ترضى ذلك فقامت بفصلهم، ولكن العسكريين بقوا على رأيهم وأكملوا عملهم، وقد نشر برزان التكريتي بطريقة بعيدة عن حقيقة ما حصل في كتابه المشهور" محاولات إغتيال صدام حسين" تحت عنوان عملية مدينة الطب، وقت ما كان برزان المسؤول الأمني الأول في العراق وربما كان سبب النشر بهذه الطريقة لأسباب سياسية معروفة. على ضوء ذلك ترك العراق إلى سوريا وفي سوريا عرضوا عليه اللجوء السياسي فرفض وسافر إلى مصر لتكملة دراسة الدكتوراه.

في مصر استلم راية قيادة العمل الإسلامي من الأستاذ الهضيبي (الأب) وحصل ذلك في بيت الحاجة زينب الغزالي وبحضورها عام 1972 وقال له حينها" إياك من العمل مع من خرجوا من سجون عبدالناصر، فقد خرجوا كالمومياء المحنّطة من السجون لا فائدة كبيرة نتوقـّع منهم، عليك بالشباب وسنوّفر لك ما تحتاجه"

المحاولات الإنقلابية التي إتهم بها

محاولة انقلاب على الملك حسين في عام 70
محاولة انقلاب على الرئيس أحمد حسن البكر في عام 71
محاولة انقلاب على الرئيس محمد أنور السادات في عام 74

تم إعدامه في عام 1976 بعد محاكمة لم تستطع إثبات أي شيء ضده بشكل قاطع وحاولوا بها توريط الشافعي نائب الرئيس المصري الذي رفض دكتور صالح جرّه ظلما في الموضوع مقابل صفقة ونشرته وسائل الإعلام المكتوبة وقتها وتم إعادة ذكر ذلك من قبل الشافعي نفسه في برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة، ومن الأشياء الطريفة طوال المحاكمة رئيس المحكمة المستشار برهان العبد لم ينادي الدكتور صالح سرّية غير بكلمة دكتور صالح بكل احترام وتقدير، ولم يناده مثل البقية في القضية طوال فترة المحاكمة بالمتهم؟ ومن الأشياء التي ذكرها في دفاعه في المحاكمة"إنني أعلم أن الأوامر بتصفيتي قد صدرت، وحتى لو خرجت براءة من المحاكمة سأبقى أنتظر رصاصة قتلي في أي لحظة، وهناك أحداث كثيرة من تاريخ هذه الأمة لم تنشر ولو ترك لي مجال لكتبتها للفائدة العامة"