انزلوا الى الواقع قبل أن تتحول تنمية الصعيد إلى هوجة




منذ الإعلان عن حزمة الحوافز الجديدة المشجعة للاستثمار والصعايدة سعداء باهتمام الحكومة .. لكنهم قلقون من قراراتها.. يخشون أن تتحول تنمية الصعيد إلى "هوجة" تعصف ببضع مليارات ثمينة من موارد الدولة وبما تبقى لهم من آمال نازفة فى شرايين العمر .. تناقض بين حالة من الارتياح العام بأن الحكومة أصبحت مسئولة عن تنفيذ وعد الرئيس مبارك وملتزمة بتنمية الصعيد وجذب الاستثمارات الى مناطقه الصناعية وتوفير فرص عمل حقيقة لابناءه .. وقلق بعد "قراءة الجواب وعنوانه" فالطريق الذى يربط الصعيد بساحل البحر الأحمر يسير على مبدأ "ودنك منين ياجحا" اختاروا له أن يتجه الى سفاجا شرقا عبر سوهاج جنوبا ! والفندق السياحى الذى قرروا إقامته "يعمر ساقية ويخرب طاحون" طلبوا لتنفيذه هدم معهد الصحة واستراحة المحافظة ! أما "الحزمة" فقالوا أنها للكبار فقط.. لمن تزيد استثماراته عن 15 مليون جنيه ينال خصما من ضرائبه بواقع 15 الف جنيه عن كل فرصة عمل يوفرها.. ووصف صعيدى الذين صنعوها بأنهم "خواجات" وطالبهم بالنزول إلى أرض الواقع قبل أن تتحول التنمية على أيديهم إلى مجرد هوجة جديدة.

يؤيد السفير مصطفى راتب مندوب مصر بالأمم المتحدة الأسبق التركيز على تنمية الصعيد كضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية.. ويرى ضرورة النزول الى الشارع وفتح حوار واسع حول الاحتياجات الفعلية لتنمية المجتمع الصعيدى.. والاستفادة من خبرات الدول ذات الظروف المشابهة التى سبقتنا الى التنمية مثل البرازيل التى عمل بها قنصلا لمصر وشهد تجربتها وانتقالها من مرحلة الزراعة الى مرحلة الصناعة القائمة على الزراعة حتى أصبحت الآن أكبر دولة فى العالم انتاجا للميثانول البديل النظيف للطاقة.. دعا راتب إلى التركيز على نقل التكنولوجيا ودعم صغار المستثمرين.. يقول أن رؤوس الأموال الكبيرة لا تنتظر ذلك النوع من الحوافز الحكومية.

شرايين الحياة

يمتدح أحمد سعد أبوعقرب عضو مجلس الشعب "وطنى" الاهتمام بالنقل وخطوط المواصلات كعامل هام ورئيسى فى التنمية بأشكالها المختلفة لا يكتمل الا بنشر المزيد من الطرق العرضية بين المحافظات وساحل البحر الأحمر لتكون شرايين جديدة تنقل الحياه الى أرض مصر الواسعة بعدما كشفت الاحصائيات الرسمية الأخيرة أن سكان أسيوط يعيشون فوق 6% فقط من مساحة المحافظة.. اضافة الى انشاء شبكة من الكبارى العابرة للنيل فلم يعد مقبولا أن تظل العزلة مطبقة على المناطق الشرقية لمسافات تزيد عن 120 كيلومترا على امتداد النهر فى الصعيد الذى يعانى الملايين من أبناءه من عزلتهم بين النهر والجبل.
يطالب أبوعقرب بتطوير التعاون الزراعى ليكون قادرا على خدمة الفلاحين وتسويق منتجاتهم وتأمين مخاطر تقلبات السوق واستخدام مدخرات الجمعيات الزراعية فى انشاء بنك جديد يساند صغار الفلاحين.

أما الدكتور جمال عبدالمتعال رئيس جمعية رجال الأعمال فلا يرى دور للجمعيات الأهلية فى برنامج الحكومة رغم أن جمعيته وحدها تدير 45 مشروعا فى جميع محافظات الصعيد بتمويل يصل الى ثلاث مليارات جنيه من خلال 157 فرع للجمعية.. يقول اننا جادون ومستعدون للمشاركة ولدينا دراسات متكاملة تراعى ظروف البيئة وأحوال السكان وننتظر التشجيع وتذليل العقبات .. نشق طريقنا الى استثمار أكثر من مليار جنيه فى حوالى 500 الف رأس ماشية بمشروع تنمية الثروة الحيوانية لتوفير اللحوم ومساعدة صغار المربين بما ينعكس ايجابيا على مستوى المعيشة والدخل القومى .. ونتبنى مشروع لتصدير الحاصلات الزراعية وادخال 10 آلاف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة التى تقل عن خمسة أفدنة الى مجال التصدير فى المرحلة الأولى باستثمارات 100 مليون جنيه.

ويرى على حمزة رئيس جمعية المستثمرين أن قرارات الحكومة ايجابية تشجع المشروعات الجديدة لكنها لم تأخذ فى الحسبان الحفاظ على المشروعات القائمة أو حماية الصغار المتعثرين خاصة الذين حصلوا على قروض الصندوق الاجتماعى للتنمية.

أجواء التطبيق

يتساءل المهندس يحيى جابر "مستثمر" عن أجواء تطبيق القرارات واللوائح.. يقول أن العقبات لازالت من نصيب صغار المستثمرين.. طلبت 3 آلاف متر لانشاء مصنع وحيد من نوعه لطحن خامات المحاجر وتجهيزها للتصدير فأعطونى 1800 متر فقط رغم أن الطاحونة وحدها تحتاج الى الف متر.. ويرى أن المستثمرين الشباب هم الأولى بالتسهيلات.. وأن الاستثمار والتنمية لها وجوه متعددة تتطلب تحرير ادارة المجتمع من البيروقراطية والتخلف ووضع قواعد بسيطة وواضحة لاستصلاح الأراضى الصحراوية وتحريرها من سيطرة "مافيا التسقيع" التى تعوق التعمير.

وينتقد الدكتور على حلمى عبدالعاطى أستاذ الجيولوجيا بجامعة أسيوط المسار الذى انتهى اليه مشروع الطريق الذى يربط بين مدينتى أسيوط والغردقة اللاتى تقعان على خط عرض واحد مستنكرا اتجاه الطريق جنوبا الى سوهاج الأمر الذى يؤدى الى ارتفاع التكلفة بدون مبرر وزيادة طول الطريق من أسيوط إلى الغردقة إلى 385 كيلومترا بدلا من 265 كيلو على نحو يشكك فى جدواه.. كما يستنكر أن يكون عرض الطريق 12 مترا فقط فى حين أنه من المنتظر أن تعمل عليه شاحنات ضخمة قاصدة ميناء سفاجا وحافلات سياحية مما ينذر بتحويل الطريق الى ساحة آخرى لمذابح حوادث الطرق ونزيف الأسفلت.
وترى الباحثة عايدة صديق أن أهم ما فى قرارات الحكومة هو العامل النفسى بشعور أبناء الصعيد أنهم أصبحوا أخيرا فى بؤرة اهتمام الحكومة.. وأن هذا الشعور فى حد ذاته يمثل ايجابية لكنها لم تكتمل بالتعرف على مطالب المواطنين وبالدراسة الجيدة للخطوات المؤثرة فى التنمية الواجب اتخاذها .. وتضرب مثلا بمشروع الفندق السياحى الذى تقرر انشاؤه لسد عجز حقيقى موجود فى أسيوط لكنهم للأسف قرروا هدم مقرى معهد الصحة واستراحة المحافظة ليقيموا الفندق رغم أن الأماكن الصالحة للمشروع كثيرة وكان مقترحا اقامته على جزيرة الواسطى فى نفس المنطقة ولكنها الرغبة فى تحقيق انجاز سريع بأسلوب "الهوجة".

لكن المهندس أحمد عبدالعزيز أمين الحزب الوطنى بمحافظة أسيوط ينظر إلى الموضوع على اعتبار أن أول الغيث قطرة وأنه لا يجب التهوين من الخطوات التى تم اتخاذها مؤكدا أنها ستخضع للتقييم من خلال التجربة على ضوء تحقيقها لهدف أخير هو الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين.

ويقول معتصم راشد مقرر لجنة بحث سياسات الاستثمار التى مهدت للقرارات أنه سبقها اجتماعات ولقاءات متعددة على مدى 3 شهور ما بين القاهرة وأسيوط مع أمناء الحزب الوطنى بمحافظات الصعيد الثمانى وكذلك مع المحافظين ورؤساء جمعيات المستثمرين .. استمعنا اليهم وتسلمنا ما قدموه لنا من دراسات ومطالب ثم انتهينا الى مجموعة من الاقتراحات على ضوء المواءمة بين المطالب والامكانيات المتاحة.. وان ما تم اتخاذه من إجراءات لن يكون نهاية الطريق
.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

فى البداية نهنائكم على هذه الصفحه و المقالات التى تهتم باسيوط والصعيد...

الحقيقة ان مقالتك جميلة و تصيب شطر الحقيقة.. حيث انك تطلب من الحكومة و المخطط ان ينزل و لم تطلب من الناس ان يصعدوا ارائهم و مقترحاتهم...
دعنا نتسائل ما هو دور اعضاءمجلس الشعب و الشورى و المجالس المحلية....ما هو دور الجامعة فى عمليات التخطيط الاستراتيجى ودراسة محافظة اسيوط واقليم الصعيد...
لا ننكر ان هناك مجهودات ( فردية) مثل ما ذكرت عن ممتاز نصار فى احد مقالاتك السابقة او اجتهاد محافظ اومدير فى موقعه بدافع شخصى للترقى او ارضاء لمن شاء...... ولكن ماذا بعد?

من مفارقات متابعتى لصحافة و انا فى الغربة حدثان عن محافظة اسيوط و الصعيد...
اخرهما عن تقريرفى الاهرام عن افقر محافظات مصر و عن افقر القرى فجائت محافظة اسيوط من افقر المحافظات و جائت قرى المعابدة و بنى محمديات وسوالم ابنوب وهم كلهم فى مركز ابنوب بمحافظة اسيوط من افقر قرى مصر...
الخبر الثانى ان محافظات الصعيد واسيوط كانت اعلى نسبة فى المشاركة فى عمليات الاستفتاء الاخيرة و انتخابات مجلس الشعب...
انا قد ذكرت مركز ابنوب لانه حسب علمى لم يخرج منه اى نائب معارض من بداية مجلس شورى النواب فى عهد اسماعيل...
وكان الفقر هو مطلب رئيسى للصعيد وماتتفضل به الحكومة فهذا فضل وزيادة...

ليست القضية طريق هنا او فندق هناك ولكن ما هو العائد المرجو و ماهى كفائة هذه الخطط... التجارب الدولية غنية واهم سبب فى نجاحها انها كانت نابعة من خصائصها المحلية...