مافيا "تسقيع" أملاك الدولة تحرم الجادين من استصلاحها

العزبى : القوانين الحالية تعوق التنمية .. ولا سلطة للمحليات

  

الأرض عرض .. سقط هذا المبدا الشعبى من حسابات حكومات متعاقبة فتركت أعز ما تملك نهبا  للعشوائيات وسيطرة البلطجة .. أحاطتها بما يشبه "حزام العفة" سياج من القوانين والقرارات ثم تقاعست عن حمايتها واستثمارها.

قواعد الحكومة  منعت الاستثمار الحلال وضمنت البوار لكنها فى نفس الوقت لم تمنع الاغتصاب.. هدمت  أحلام طموحة ومشروعات استصلاح جادة لكنها تركت الأبواب الخلفية مفتوحة للفساد.

لسنوات طويلة  سيطرت البلطجة على الأراضى القابلة للاستصلاح بغرض "تسقيعها" حتى وان  كانت النتيجة الابقاء عليها جرداء لسنوات طويلة وحرمانها من استصلاح حقيقى ومستثمرين جادين .. الثمن يدفعه فى النهاية وطن يخنقه أبناؤه داخل شريط أخضر ضيق.. والموقف  فى الصعيد أكثر وضوحاً حيث يرى المسافر على الطرق الصحراوية شواهد صخرية على جانبيها .. وضعها بعض الأفراد كأنها براهين على وضع ايديهم على تلك الأراضى!! اضافة إلى بعض الغرف الصغيرة المتناثرة المبنية بالدبش الأبيض والبوص بزعم الشروع فى استصلاحها.. لكن تلك العلامات لم تغادر مكانها منذ سنوات ولازالت الأرض صحراء جرداء بينما يكتفى الجادون بنظرات الحسرة والألم وهم لا يدرون الى أين يلجأون  للحصول على أراضى الدولة الممنوعة عنهم بالبلطجة والنفوذ والسلاح.

 

يكشف المواطن "عمرو عبدالرحمن الجانب الخفى فى القضية .. يقول أنه حاول استصلاح 10 أفدنة فى الصحراء يبذل  فيها ما يستطيعه من جهد وامكانيات لتكون مشروعه فى الحياه يتركه من بعده لابنائه  وعقد العزم على تنفيذ حلمه وتوجه الى قطعة أرض صحراوية بمنطقة بنى غالب المتاخمة  لمدينة أسيوط يمر عليها منذ سنوات فلا يجد فيها أثر لحياه.. وبمجرد أن بدأ فى أعمال التسوية والاستصلاح فوجىء بالبلطجية يهددونه بالأسلحة للتوقف ومغادرة المنطقة فورا بدعوى أنها أرض اللواء فلان.. ولأن المساحة الصحراوية فى تلك المنطقة  تبلغ أكثر من الفى فدان فقد طلب منهم تحديد أرض اللواء حتى يعمل بعيدا عنها لكنهم  أخبروه أن اللواء يملك كل الأرض فى هذه المنطقة!! وحينما توجه لمقابلة هذا اللواء المتقاعد  والتفاهم معه أخبره أنه ليس وحده وأن معه عشرات آخرين وأنه ليس لديه مانع من حصوله على الأرض التى يريدها على أن يسدد ما انفقوه عليها والذى ادعى أنه بلغ 20 الف جنيه للفدان الواحد!! والنتيجة طبعا أنه طوى حلمه وانصرف آسفا.

وهناك جانب آخر للفوضى التى تحكم استصلاح الأراضى يكشف عنه قرار جهاز مدينة أسيوط الجديدة بازالة النباتات والأشجار وتحطيم آبار الرى التى حفرها الأهالى قبل أكثر من 15 عاما لاستصلاح حوالى 5 آلاف فدان بالصحراء الشرقية .. مبررات قرار الازالة أن هذه الأرض  مخصصة لتكون غابة خشبية ومزرعة لمحطة الصرف الصحى الخاصة بمدينة أسيوط الجديدة  بينما يؤكد الأهالى أن استصلاحهم لهذه الأراضى سابق على قيام المدينة!

مخاطر ازالة  مشروعات الاستصلاح الجادة تهدد الجادين أيضا فى مناطق أخرى مثل منفلوط بينما  لازالت أراضى الدولة نهبا لعصابات مسلحة بصحراء عرب أبوكريم بديروط وسط ادعاءات  باضفاء الحماية عليهم من بعض النافذين هناك وارتباط الظاهرة بأعمال تنقيب عن الآثار.

 قوانين مسمومة

 جوانب قانونية هامة يكشفها الخبير فى القانون الادارى محمد عبدالحميد سيد المستشار القانونى للمجلس الشعبى المحلى لمحافظة أسيوط .. يشبه القوانين والقرارات الوزارية المنظمة  لهذا الموضوع بأنها مثل الكيمياء أو المركبات الدوائية قد تشفى المريض وقد تسبب له تسمم أو مضاعفات مرضية.

فى البداية يؤكد  أن تحصيل مقابل انتفاع لا يرتب علاقة قانونية ولكن مجرد ربط مالى على عكس السائد  أو الخطأ الشائع، يطالب بتشريع يضع أملاك الدولة تحت ولاية جهة واحدة بدلاً من  التعدد الحالى الذى يسمح بوجود ثغرات ينفذ منها المتعدين.. لأنه وفقا للأوضاع الحالية هناك 4 دوائر متداخلة.. الأولى الكردون والثانية الزمام تتبع المحليات  والثالثة خارج الزمام حتى كيلومترين فتبعيتها للاصلاح الزراعى والرابعة التى تمثل الصحارى الممتدة فتتبع هيئة التعمير أو هيئة المجتمعات العمرانية فى حالة تخصيصها  للمدن الجديدة وكردوناتها .. ولها قانون خاص بنظم أوضاعها.

يضيف أن أملاك الدولة العامة مثل أراضى المدارس والمستشفيات والمتنزهات والترع والمصارف.. هى أراضى مخصصة للانتفاع بها من قبل الوزارة المعنية ولكنها ليست ملكاً لتلك الوزارة  وتظل ملكيتها عامة .. فاذا استغنت عنها الجهة التابعة لها عادت ملكيتها مرة أخرى الى أملاك الدولة الخاصة لتعيد تخصيصها للمنفعة العامة لجهة أخرى .. أو تبيعها  وفقا لتقديرات لجان التثمين أو بالمزاد العلنى.

أما أملاك الدولة الخاصة فهى أراضى مملوكة للدولة لكنها غير مخصصة لمشروعات عامة ويحكمها القانون  رقم 7 لسنة 1991 ولها ادارة وسجلات بكل وحدة محلية.

يقول أن الفقرة الأخيرة من المادة 26 من قانون الادارة المحلية تجعل من المحافظ "شيخ خفراء" يعمل على حماية أملاك الدولة وازالة التعديات عليها.

بينما القانون 7 لسنة 1991 يجعل من رئيس المدينة "عمدة " يحق له التصرف فى أملاك الدولة  وفقا لضوابط جاء بعضها فى هذا القانون

يرى أن الحل سهل  لكنه يقتضى قبل كل شيىء توافر الرغبة والارادة لدى الإدارة العامة لحل المشكلة. ويتطلب الحل اجراء حصر شامل للأراضى الصحراوية المتاحة للاستغلال ورفعها على خرائط  مساحية وطرحها على المستثمرين والمواطنين بضوابط تضمن جدية الاستغلال الفورى لها  لتحقيق عوائد سريعة على المجتمع والاقتصاد القومى.. وعدم التراخى فى سحب الأرض من  المتقاعسين وإعادة توزيعها على آخرين.

 القوانين تعوق

يرى اللواء نبيل العزبى محافظ أسيوط ضرورة وضع حد للفوضى التى تحكم عمليات استصلاح الأراضى وايجاد حلول لتنظيم عملية الحصول على أراضى الدولة على نحو يقدم دفعا حقيقيا لحركة  استصلاح الأراضى وتنمية الأراضى الصحراوية وما يتبعه من مكاسب كتوفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة والاكتفاء من المنتجات الزراعية .. أضاف : اننى أتعاطف تماما  مع فكرة استصلاح الصحراء وفتح المجال أمام المستثمرين لكن الأمر فى حاجة الى تشريع  لأن القوانين الحالية تعوق التنمية.. ولولا تدخل الرئيس مبارك بنفسه ما كان قد تم  تمليك الأراضى للذين استصلحوها فى السنوات الماضية.

أكد العزبى أن المحافظ لا يمكنه التصرف فى شبر واحد من أراضى الدولة سواء بالبيع ولا حتى بالإيجار.. سواء كانت داخل الزمام أو خارجه ! قال : "اذا قدم لى مستثمر طلب للحصول على أرض صحراوية لاستصلاحها فإن تأشيرتى على الطلب ستكون "آسف لا أملك وفقا للقانون  سلطة الموافقة" وإذا فعلت غير ذلك أو قمت بتخصيص أرض له فاننى أكون قد ارتكبت  مخالفة قانونية ومالية".

وطالب محافظ  أسيوط بضرورة تنظيم عملية استصلاح الأراضى لتشجيع الجادين والتصدى للعصابات التى تسيطر على أملاك الدولة ومنح سلطة التصرف للإدارات المحلية.. كما طالب بضم 20  كيلومترا من حد الطريق الصحراوى الى نطاق المحافظة مؤكدا أن تحقيق ذلك سيحدث طفرة عظيمة  فى مجال تعمير الصحراء.

 أرجع محمد عبدالمحسن صالح أمين المجالس المحلية بالحزب الوطنى تناقض الأوضاع التى تحكم  استصلاح الأراضى إلى عدم تنفيذ المادة الثانية من قانون الادارة المحلية التى تنص  على انشاء مجلس أعلى للإدارة المحلية يتكون من المحافظين ورؤساء المجالس المحلية للمحافظات.. قال أن هذا النص لم يطبق حتى الآن اكتفاء بمجلس المحافظين الذى يمكن أن يكون له ضرورة تنفيذية لكنه لا يعد بديلا قانونيا للمجلس الأعلى المنصوص عليه فى القانون.. أضاف أنه وفقا للدستور ومنذ الستينات فإن السلطة المركزية تنقل تدريجيا الى الإدارة المحلية لكن بعد مضى 50 عاما على اقرار النص لا يبدو أن السلطة قد فارقت المركزية حتى الآن.. وأن هذه الحالة جرت مناقشتها بصراحة داخل الأمانة العامة  للحزب الوطنى فى اطار وضع القانون الجديد للإدارة المحلية.

دعا صالح الى  تيسير الإجراءات خاصة للطلبات التى تقدم من خلال جمعيات زراعية منشأة لهذا الغرض والتصدى لمافيا الأراضى،

 

هناك تعليقان (2):

fahdalayat يقول...

موضوع ممتاز يا استاذ أحمد .. أرجو المتابعة والكتابه فيه باستمرار لانه خطير جدا .. جزاكم الله خيرا .. ودائما بالتوفيق ... فهدالعياط

احمد وحيد يقول...

جزاكا الله كل خير يا استاذ احمد